العمل عن بعد… التحديات والفرص

تخيّل أنك تستيقظ صباحاً، تتناول قهوتك المفضلة، وتبدأ يوم عملك دون أن تضطر لتحمل زحمة الطرقات أو ارتداء ربطة عنق خانقة، هذا هو سحر العمل عن بعد، نمط حياة تبنته الملايين حول العالم، خاصة بعد أن فرضت الظروف العالمية على كثيرين إعادة التفكير في طريقة عملهم.

لكن، هل الأمر مجرد حلم وردي أو أن هناك تحديات تجعل هذا النمط أقل بريقاً مما يبدو؟

 في هذا المقال، سنغوص في عالم #العملعنبعد، نستكشف فرصاً مذهلة وتحديات تحتاج إلى ذكاء وحلول مبتكرة. 

الفرصأبواب مفتوحة للإبداع والمرونة:

العمل عن بعد يمنحك حرية لا مثيل لها، تخيّل أنك تعمل من مقهى هادئ في حيّك، أو حتى من شرفة تُطلّ على البحر إذا كنت من عشاق السفر، وهذه الحرية أو المرونة تشمل المكان، والوقت. 

هل أنت شخص ليلي تعشق الهدوء، وتفضل العمل عندما ينام الجميع؟ 

العمل عن بعد يتيح لك تنظيم يومك بما يناسب إيقاعك الخاص، ويمكنك الاستفادة من الوقت الذي كان يُهدَر في التنقلات للتركيز على الإنتاجية، أو حتى استغلاله في ممارسة الأنشطة الشخصية التي تمنحك توازناً بين الحياة المهنية والشخصية.

علاوة على ذلك، فإن هذا النمط  من العمل يفتح أبواباً للشركات لتوظيف المواهب من أي مكان في العالم، فلم يعد الموقع الجغرافي عائقاً، يمكن لشركة في عمان أن تُوِّظَف مُطوِّرَ برامج من حلب أو مصمم جرافيك من القاهرة، وهذا التنوع يثري بيئة العمل بأفكار جديدة، وبالنسبة للأفراد يعني فرصاً أوسع للعمل مع علامات تجارية عالمية دون الحاجة إلى الهجرة، ومن ناحية أخرى، هناك جانب اقتصادي لا يُستهان به، فالعمل من المنزل يقلِّل من تكاليف التنقل، ووجبات الغداء الباهظة في المطاعم، والملابس الرسمية، وكل هذا التوفير يتراكم ليصبح مبلغاً لا بأس به في نهاية الشهر. 

وإذا قررت أن تسافر لبلد ما لن يتأثر عملك، لأنك أصلاً تعمل عن بعد، أما بالنسبة للشركات، فإن تقليل الحاجة إلى مكاتب ضخمة يعني خفض تكاليف الإيجار والمرافق والأجهزة وفواتير الكهرباء والاتصالات، واستثمار هذه الأموال في مجالات أكثر إبداعاً. 

الوجه الآخر للعمل عن بُعد: 

العمل عن بعد ليس جنة بلا شوك، ولا يمكننا إغفال أن هذا التحوّل لم يأتِ بلا ثمن، فأول ما يواجهه كثير من العاملين عن بُعد هو #العزلة. 

قد يبدو الجلوس في المنزل مُريحاً في البداية، لكنه مع الوقت يولّد شعوراً بالتباعد الاجتماعي والانفصال عن الفريق، وقد تجد نفسك تفتقد الدردشة السريعة مع زملائك بجانب آلة القهوة أو النقاشات العفوية التي تُشعل شرارة الإبداع، هذا الشعور قد يتحول إلى تحدٍ نفسي، خاصة لمن اعتادوا على بيئة عمل تفاعلية، بالإضافة إلى ذلك، هناك مسألة #الانضباطالذاتي، وهي مهمة للغاية، فعندما تكون في المنزل، محاطاً بالتلفاز، والأطفال، أو بالقرب منك وسادة مريحة تدعوك لأخذ غفوة، إلى جانب العديد من الإغراءات التي لا تنتهي، يصبح التركيز مهارة تتطلب جهداً إضافياً، إذ يصعب على الكثيرين وضع حدود واضحة بين وقت العمل والوقت الشخصي، وهنا يبرز التحدي الحقيقي: كيف تنظِّم وقتك وتحافظ على الإنتاجية دون أن يقف مديرك فوق رأسك؟! 

ومن زاوية أخرى، هناك تحديات تقنية، فالاعتماد على الإنترنت يجعلك رهينة لسرعة الاتصال وجودته، لا سيما إذا كنت تعيش في أحد البلدان التي تعاني من بطء شديد في سرعة الإنترنت، تخيَّل أنك في منتصف اجتماع مهمٍ عبر زووم، وفجأة تنقطع الشبكة! 

تخيَّل أن العميل ينتظر استلام المهمة منك، وأنت تتأخر عليه لضعف الإنترنت أو انقطاعه!

تخيّل شعورك وأنت تعتذر عن استلام مهمة من المدير لبطء الإنترنت في بلدك، وعدم قدرتك على استقبال وإرسال ملفات بأحجام ضخمة! 

هذه المشكلات، رغم أنها تبدو بسيطة، ورغم أنك لست سببها إلا أنها قد تؤثر على كفاءتك وسمعة عملك.

كيف تجعل العمل عن بُعد ناجحاً؟ وكيف تتغلب على هذه العقبات وتستفيد من الفرص؟ 

الإجابة تكمن في التوازن والتخطيط، فلمواجهة العزلة، يمكن تخصيص وقت للتواصل الاجتماعي، سواء عبر لقاءات افتراضية مع الزملاء أو حضور فعاليات مهنية، أما بالنسبة للانضباط، فإن إنشاء مساحة عمل مخصصّة في المنزل، بعيداً عن المشتتات، يمكن أن يصنع فارقاً كبيراً، جرّب وضع جدول يومي واضح، ولا تنسَ أخذ استراحات قصيرة لتجديد طاقتك، أما من الناحية التقنية، فاعتمد على اتصال إنترنت موثوق، وتأكد من اعتمادك على تجهيزات تواكب طبيعة عملك ومتطلباته، كما أن استخدام أدوات إدارة المشاريع مثلتريلوأوأسانايساعد في تنظيم المهام وتعزيز التواصل مع الفريق.

وبالنسبة للشركات فمن المهم أن تخلق ثقافة ثقة، حيث يُقاس الإنجاز بالنتائج لا بعدد الساعات، وأن توفر دعماً نفسياً وتقنياً يراعي احتياجات الموظفين عن بُعد، وأن تستثمر في بناء هوية مؤسسية مرنة تتجاوز الجدران والمكاتب.

باختصار، لا يمكننا إغفال أن العمل عن بعد هو طريقة جديدة لتشكيل حياتنا المهنية، صحيح أن هناك تحديات، لكن الفرص التي يقدمها هذا النمط من العمل تفوق التوقعات إذا تمكنَّا استغلالها، وسواء أكنت موظفاً يبحث عن مرونة أكبر، أم شركة تسعى لجذب أفضل المواهب، فإن مفتاح النجاح يكمن في التكيف والابتكار. 

فما رأيك؟ هل أنت مستعد لخوض غمار هذا العالم الجديد؟

شاركنا تجربتك أو أفكارك في التعليقات، ودعنا نناقش كيف يمكن أن يكون العمل عن بعد خطوة نحو مستقبل أكثر إشراقاً؟!

د. علي ميمة

مسؤول قسم التأليف

Scroll to Top