الكتابة في زمن التشتت: كيف تحافظ على تركيز القارئ؟
عمر المطلق
(باحث وكاتب محتوى)
فتح التطبيق ليرد على إشعار واحد… بعد أربعين دقيقة، نسي لماذا أمسك الهاتف أصلاً.
هذه ليست مشكلة فردية، هي نمط عصرٍ بأكمله، إنه عصر التشتت.
تشير الدراسات إلى أن متوسط تركيز الإنسان لا يتجاوز 8 ثوانٍ، أي أقل من تركيز سمكة ذهبية! في هذا الواقع الجديد، لا يكفي أن تكتب جيداً، يجب أن تكتب بذكاء، فالسطر الأول قد يكون فرصتك الوحيدة.
– اللحظة الأولى… طُعم لا يُفوّت:
لماذا تقرأ هذا المقال الآن؟
ربما لأن أولى كلماته أثارت انتباهك، وهذا هو جوهر المعركة اليوم، اللحظة الأولى قد تكون اللحظة الوحيدة، فالقارئ المعاصر لا يمنحك رفاهية الشرح المطوّل؛ هو يتنقل بسرعة، يُغلق الصفحة بمجرد أن يشعر بالملل، ويبحث عما يُدهشه أو يُلامسه، وهنا تبدأ مهمة الكاتب: أن يكتب جملة أولى كأنها طوق نجاة.
– التبسيط ليس ضعفاً… بل قوة:
من منّا يحب التعقيد؟
في زمن الاستهلاك السريع للمحتوى، التبسيط ضرورة لا رفاهية، ولا يعني ذلك السطحية، إنما الوصول إلى عمق الفكرة بأقصر الطرق، وكأنك تُجري حديثاً مشوقاً في مقهى، خذ هذه الجملة مثالاً:
“يعد الاحتراق النفسي نتيجة لتراكم الضغوط المزمنة المرتبطة بمتطلبات الأداء المستمر…”.
جملة صحيحة، لكنها باردة، انظر الآن إلى هذه الصيغة البديلة:
“أحياناً لا تكون متعباً من العمل نفسه، إنما من شعورك بأنك لا يمكنك التوقف، كل الأيام كسابقتها… هذا هو الاحتراق النفسي“.
هل تغيّر المعنى؟ لا.
لكن وقع الكلمات اختلف.
– احكِ الفكرة… لا تشرحها:
القارئ لا يتبع الأفكار بقدر ما يتبع القصص.
القصة تنطق المعنى، وتُجسّده، وتربط الكاتب بالقارئ بخيط من الحياة.
تخيل أنك تريد أن تكتب عن أهمية التنظيم، يمكنك أن تقول: “التنظيم ضروري للنجاح.” جملة صحيحة، لكنها جامدة.
ماذا لو قلت: استيقظ مجدي متأخراً، بحث عن مفاتيحه مدة عشر دقائق، نسي تقديم العرض خلال الاجتماع، وحين عاد مساءً اكتشف أن الإنترنت مقطوع، لأنه نسي دفع الفاتورة…، كل ذلك لأنه لم يكتب شيئاً في مفكرته، في تلك الليلة، كتب أول خطة يومية في حياته، بعد أسبوع، تغيّر كل شيء.
من خلال السرد أصبحت الفكرة مرآة، فالقارئ يرى نفسه، أو يتأمل، أو حتى يضحك.
– احترم القارئ… يحترمك بالتركيز:
لا تشرح ما هو بدهي، لا تطِل إن لم تكن كل جملة تستحق الإطالة.
احترم ذكاء القارئ وانشغاله، وامنحه نهاية تستحق الطريق المقطوع.
فكر في أن تختم بجملة تترك أثراً، أو سؤالاً يبقى في ذهنه، أو شعوراً بأنه قرأ شيئاً له معنى.
– ختاماً:
الكتابة اليوم ليست تجميع كلمات، هي معركة ضد التشتت، والمنتصر من يعرف كيف يحكي ما يعرف في الوقت المناسب.
فهل أنت مستعد لخوض هذه المعركة؟
شاركنا رأيك وتجربتك في التعليقات