هل المحتوى القصير هو المستقبل؟

يمنى عبدالرحمن صباهي


(باحثة وكاتبة محتوى)

 

في زمنٍ سريع الخطى حيث تزدحم حياتنا بالمعلومات والتفاصيل أصبح التركيز على المحتوى القصير ضرورةً لا مفرَّ منها، وأثناء تصفُّحك لوسائل التواصل الاجتماعي أو قراءتك للأخبار عبر الإنترنت لا بُدَّ أنك لاحظتَ الزيادة الكبيرة في المحتوى الذي يعتمد على الإيجاز والسرعة.

لماذا ينجح المحتوى القصير؟

يعود ذلك بشكلٍ جزئيٍ إلى نمط الحياة الحديث الذي يتسم بالإيقاع المتسارع، فالكثير من الناس اليوم يُفضِّلون الحصول على المعلومات بشكلٍ سريعٍ وسهلٍ؛ وهذا يجعل المحتوى القصير الخيار المثاليَّ لهم.

وللتكنولوجيا دورٌ كبيرٌ في تعزيز هذا الاتجاه، فمنصات مثل إكس (تويتر سابقاً) وإنستغرام وتيك توك تعتمد على محتوى قصيرٍ جدّاً يجذب الانتباه بسرعة، فالعناوين الجذَّابة والرسوم المتحرِّكة يُمكن أن تحصد عدداً هائلاً من المشاهدات في وقتٍ قياسيٍ، وهذا يجعل العلامات التجارية والصحفيين وصنَّاع المحتوى يسعون جاهدين إلى تكييف مواهبهم وإستراتيجياتهم بما يتناسب مع رغبات الجمهور في الحصول على المعرفة بشكلٍ سريعٍ.

وعلى الصعيد المعرفي، تُظهِر دراسات علم الأعصاب أن الدماغ البشري يتعامل بكفاءة أكبر مع المعلومات الموجزة، حيث تقل احتمالية التشويش أو الإرهاق الذهني الناتج عن تدفُّق كمٍّ كبيرٍ من البيانات.

ومن الأسباب الأخرى التي تدعم المحتوى القصير هي الطبيعة المتغيِّرة للجمهور، فالجيل الجديد الذي نشأ في عالمٍ مليءٍ بالمحفيزات المرئيَّة والرقميِّة يميل نحو استهلاك المحتوى السريع، ومن المعروف أن هذه الفئة تسعى للترفيه والمعرفة في الوقت ذاته، وكل هذا يجعل المحتوى القصير بمثابة الخيار الأمثل لتلبية احتياجاتهم.

هل انتهى عصر المحتوى الطويل؟

الإجابة: بالتأكيد لا! فهناك جمهورٌ آخر يبحث عن العمق والتحليل والتفاصيل في ميادين متعددة، مثل: الأدب والبحث العلمي، والتحليل السياسي، والدراسات الأكاديمية، والتقارير الاستقصائية، وكلها تحتاج مساحة أوسع، وسرداً أطول، وأفقاً تحليلياً أعمق.

فالمحتوى الطويل والمتعمِّق يُعدُّ ضرورياً لفهم المواضيع بطريقةٍ تفصيليَّةٍ، فالأشخاص الذين يرغبون دراسة موضوعٍ ما بعمقٍ لن يكتفوا بالمحتوى السريع القصير، لأنه لا يروي ظمأهم العلمي ولا يُلبِّي شغفهم الأدبي.

الطريق إلى التوازن:

تكمن الحِرفيَّة في دراسة الجمهور المتلقِّي للمحتوى ومعرفة هدفه من القراءة، فعليكَ أن تعرف مَن تُخاطب قبل أن تعرف ماذا تقول، ويظهر الحلُّ في إعداد محتوى يتسم بالتوازن الدقيق ويعمل على كلا المستويين، فالمحتوى القصير يجذب الانتباه، ويوفر المحتوى الطويل سياقاً أعمق وتحليلاً أشمل، لذا سيستمر وجود كلا النوعين في المستقبل ولكن في مجالاتٍ مختلفة ولتحقيق أهدافٍ متباينة.

ختاماً:

المحتوى القصير ليس تهديداً للمعرفة، إنما بوابة أولى لها، والمحتوى الطويل ليس نقيضاً للحداثة، إنما بوابة للعمق.

ما رأيكَ أنتَ؟ 

هل سيطغى المحتوى القصير على الأوساط الثقافية في المستقبل؟ 

وما نوع المحتوى الذي تُفضِّل قراءته؟ 

شاركنا رأيك ودعنا نُصغِ لما يجول في فكرك، فالمعرفة تبدأ بالحوار.

Scroll to Top