كيف تحافظ على الإبداع في زمن السرعة والتكنولوجيا؟
يمنى عبدالرحمن صباهي
(باحثة وكاتبة محتوى)
في عصر السرعة والانشغالات المستمرة، هل ما زال هناك متسع للإبداع؟
كيف يمكن لعقلنا أن يبدع وسط التشتت الرقمي؟
في هذا المقال، نقدم خطوات عملية تساعدك على استعادة التفكير الإبداعي وسط فوضى الحياة الحديثة.
نعيش اليوم وسط ضجيج العالم الذي يترافق مع سيلٍ من الإشعارات، والأخبار العاجلة، والرسائل الجديدة، والجدول المزدحم الذي لا يترك مجالاً لالتقاط الأنفاس، وقائمة مهامٍ تطول أكثر مما تقصر، في زحام هذه الأعمال والسرعة المطلوبة لتنفيذها قد يتراجع الإبداع إلى الصفوف الخلفيَّة، ليختبئ بصمتٍ خلف الحواسيب والهواتف، ويختنق تحت وطأة الإنتاجية القصوى، لكن هل انتهى عصر الإبداع أو أننا فقط نسينا كيف نُصغي إليه؟ وكيف نمنح أنفسنا الوقت الكافي للإبداع في عالمٍ لا ينام؟
لا تعصر الإبداع.. امنحه الوقت لينمو
تبدأ المشكلة حين نحاول عَصْرَ الإبداع كما نعصر الفاكهة، بسرعةٍ ودون صبر، لكن الإبداع لا يُزهر في بيئةٍ صاخبةٍ فهو يُشبه الأرض الخصبة حيث يحتاج إلى وقتٍ، وسكونٍ، وسقيٍ مستمرٍ من التأمل والقراءة والانفتاح، وتبدأ جذور الحلِّ بالنمو عند التوقف عن محاولة اللحاق بكلِّ شيءٍ، واتباع بعض الخطوات العمليَّة البسيطة، ومنها:
1- ممارسة التمهل الواعي: نعم قد يكون من الغريب في زمن السرعة أن نقول: (تمهَّل)، لكن المقصود أن تمنح ذاتك دقائق من التأمُّل، فالفكرة الجديدة تحتاج إلى وقتٍ حتى تنضج، وهذا ليس كسلاً، إنما هو علامةٌ على أن عقلك في رحلة بحثٍ واكتشاف.
2- دوِّن كلَّ فكرةٍ ولا تستصغر شيئاً: كم مرَّةً خطرت لك فكرةٌ وقلتَ عنها: (ليست مهمةً)، لتجد لاحقاً أنها كانت تستحق، حتَّى الأفكار الصغيرة، والغريبة، وغير المكتملة تستحق التدوين في زاوية مخصصَّة لها، فالإبداع لا يأتي كاملاً، إنما يتشكَّل من شظايا نلتقطها ونجمعها بطريقةٍ جديدة.
3- حارب التشتت عدوَّك الأوَّل: فالعقل المُشتَّت لا يُبدع، فكلُّ إشعارٍ، وكلُّ نقرةٍ وكلُّ تنبيهٍ يَسرق منك ثانيةً من السير على طريق التركيز والإبداع؛ لذا درِّب نفسك على إغلاق الهاتف، وإيقاف التنبيهات، وأغلق جميع أبواب الـمُشتتات، فالإبداع لا يزدهر في بيئة من التنقل المستمر بين المهام.
4- اجعل من الخطأ صديقاً لك: فالخوف من الفشل خنجرٌ مسمومٌ في قلب الإبداع، والأفكار الجديدة بطبيعتها محفوفةٌ بالمخاطر لكنَّها أيضاً محفوفةٌ بالإمكانيات، اسمح لنفسك بالخطأ وجرِّب فكرةً تراها مجنونةً، فالخطأ هنا ليس عدواً بل هو بوابةٌ إلى اكتشاف عالمٍ جديد.
5- التعلُّم العميق مفتاح الإبداع: ففي زمن الفيديوهات القصيرة والمعلومات السريعة أصبح من السهل أن تعرف كلَّ شيءٍ، لكن عند المحك ترى نفسك لا تعرف شيئاً، فالإبداع لا ينشأ من المعرفة السطحيَّة، إنما من الفهم العميق والتأمل في التفاصيل والربط بين المعلومات، اسأل لماذا؟ وماذا لو؟ فالسؤال مفتاح العلم الموصل إلى الإبداع، واقرأ ببطء، وناقش ما تقرأه، ولا تكتفِ بقراءة العناوين والمرور السريع على الأفكار.
6- كن مرناً في تفكيرك: فالإبداع يتطلَّب المرونة، لذا لا تُقيِّد نفسك بنمطٍ معيَّنٍ من التفكير، وتعلَّم أن تكون منفتحاً على الأفكار الجديدة حتى لو كانت بعيدةً عما اعتدتَ عليه، فالإبداع يأتي من المرونة في المزج بين العلم والفن، وبين الخيال والواقع، والعقل المرن هو الوحيد القادر على التوفيق بين هذه العوالم.
7- لا تقطع علاقتك بالطبيعة: مع التطور التكنولوجي أصبحنا نعيش في بيئاتٍ مغلقةٍ، توفر لنا جميع ما نحتاجه وتُسهِّل مهام الحياة، لكن توقف قليلاً وتذكَّر أنك جزءٌ من الطبيعة، وأنَّ ارتباطك بها يُمكن أن يكون له تأثيرٌ كبيرٌ على الإبداع، لذا حاول أن تمضي بعض الوقت في الهواء الطلق، فالاندماج مع الطبيعة يُساعد على تنشيط العقل وزيادة الإلهام.
هل ما زال الإبداع ممكناً؟
ما يزال الإبداع ممكناً رغم كلِّ ما نعيشه من ضوضاء وتسارع، وهو اليوم أكثر إلحاحاً من أيِّ وقتٍ مضى، فهو يحافظ على ميزاتنا البشرية، فقد لا نكون بحاجةٍ إلى الهروب من هذا الزمن السريع بقدر ما نحتاج إلى التكيُّف معه بذكاء واختيار اللحظات التي نتوقف فيها وسط زحام الأعمال لننشئ مساحاتٍ صغيرةً للتفكير والتأمل، فالإبداع يعني المرونة الذهنية، والقدرة على التقاط المعاني المميزة في الحياة المتسارعة.
هل هناك خطوات أخرى تحفزك على الإبداع؟ شاركنا رأيك.. ودعنا نصغي إلى تجربتك في هذا المجال.